أمس قابلت صديقا لي عاد من الغربة وهو بين العودة والبقاء. لم ينه اقامته هناك ولكنه ينوي ان يستمر هنا باستثماره الصغير اذا نجح.. حالة غريبة من الاضطراب وعدم الاستقرار لا تجدي.. انه يقارن بين حاله هناك وما سيكون عليه حاله هنا اذا نجح استثماره.. ولا تتخيلوه استثمارا كبيرا.. انه حافلة غريس تجوب ضواحي الخرطوم وتنقل عمال المصانع.. لكنها بالمقارنة الى دخله في السعودية نعمة كبيرة.. لحسن الحظ انه لم يتغرب كثيرا وقد ظل على صلة بالوطن يزوره كل عام.. فلم يفت عليه الكثير واستطاع الى حد ما ان يواكب التغيرات المتسارعة في البلد ويفهم الحاصل.. وهي ميزة مهمة لو تعلمون.. لان السودان كل يوم في حال.. والآتي اليه من الخارج بعد غياب طويل سيجد صعوبة شديدة في التأقلم مع بيئته.. وهذا سبب رئبس في فشل كثير من المغتربين العائدين الذين يحملون فكرة قديمة عن السودان ويبنون عليها خططهم المستقبلية فيه فيفاجئون بجهلهم الكبير لما يجري.. ليس لغرابته ولكن لبعدهم الطويل.. أنا والحمد لله من رافضي الاغتراب عن قناعة وليس عن عجز او افتقار الى فرصة... علمت منذ زمن بعيد ان البقاء هنا يتيح للمرء ان يدبر عيشه وسط اهله لما يجده من فرص ومداخل ومخارج وما يتعلمه من اهل البلد من حيل للبقاء على قيد الحياة مكرما قنوعا. فيا معشر المغتربين.. لا اقول لكم عودوا.. ولكن مهدوا لعودتكم فالعرجاء لي مراحها في النهاية.. والافضل ان تكونوا على التصاق بالبلد لا ان تكتفوا بالسماع والروايات.. حتى اذا عزم احدكم على الاستقرار هنا جاء وهو مدرك لما هو مقبل عليه.. وبيني وبينكم .. العيشة هنا حلوة .. مش للجبهجية او انصار الحكومة.. لا.. للزول الصبور المرابط العازم على البقاء.. سيجد الابواب قابلة للفتح وان عصلجت في البداية.. الا ان يكون انسانا سريع السأم غير قادر على ممارسة فضيلة الصبر او التخلي عن اسلوب حياته في الغربة حيث كل شيء متوفر.. أفضل ان تتعود على الحرمان احيانا في بلدك من ان تجد كل شيء في متناول يدك عدا أهلك وناسك في الغربة.. افضل ان تعاني قليلا من انقطاع الكهرباء (حتى الانتهاء من سد مروي) من ان ينشأ اولادك في بيئة غريبة عنهم وينظرون الى اعمامهم واخوالهم كأنهم كائنات فضائية حين يأتون الى السودان.. هذا رأي كونته بعد ان عرفت كثيرا من قصص الاغتراب.. والله اعلم ...